قد يتوهم القارئ أن العنوان فيه خطأ، والصواب أن تقول:"الجزائر تهب لمساعدة فلسطين" ولكن ..يا أخي القارئ تمهل قليلا ..واقرا الموضوع من بدايته؛ لتعرف سر العنوان، وتزول المشكلة عن الحيران..
في حوادث 5 أوت 1934 وقعت بمدينة قسنطينة بالجزائر، حوادث دامية، أزهقت فيها الأرواح، وخربت فيها الأملاك، بسبب اعتداء بعض اليهود على المسلمين، كما سيأتي تفصيله في مقال آخر بإذن الله.
وعلى إثر هذه الفاجعة التي خلفت الكثير من العائلات المنكوبة، سارع أهل فلسطين من سكان بيت المقدس بإرسال مساعدات مالية للعائلات القسنطينية، قام بجمعها المجاهد الكبير، ورئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي بالقدس الشريف الأستاذ "محمد أمين الحسيني" رحمه الله.
وقد ترك لنا الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله على صفحات مجلته الرائدة "الشهاب" وثيقة غالية عزيزة على قلب كل جزائري..وهي قائمة العائلات القسنطينة..التي استفادت من تبرعات إخوانهم في بيت المقدس ..
وإن هذه الوثيقة التاريخية، ينبغي أن يعلقها كل فرد من أفراد هذه العائلات في بيته، ليعرف هذا الجيل ذلك التلاحم والتعاون الذي كان بين الشعبين الشقيقين، وليدرك فضل إخوانه في بيت المقدس عليه منذ أكثر من سبعين عاما، فلعله أن يرد هذا الجميل، والذي نعتبره دَيْنا على كل جزائري، وقيدا في رقابنا لا ينفك إلا بمكافئة شعب فلسطين، والوقوف معه في محنته..
فيا أهل قسنطينة خاصة آن الأوان لكي تردوا الجميل لإخوانكم في فلسطين، ويا أهل الجزائر عامة، قوموا قومة واحدة رجالا ونساء لمكافئة أصحاب هذه المبرة والمكرمة، الذين تذكروكم في محنتكم، وشدوا أزركم في مصابكم، وأرسلوا إليكم مبلغا قدره (3665 فرنكا) وزعت على (53) أسرة قسنطينية.. رغم فقرهم وحاجتهم ..
وإني لأعلم أن الجزائريين قد وقفوا مع قضية فلسطين ليس بأموالهم بل بدمائهم منذ أن سمعوا أول صرخة مظلوم بتلك الديار..
ولكنني أخاطب هذا الجيل.. ليكون خير خلف لخير سلف..
أخاطب الشباب، الذي يراد له أن لا يهتم إلا باللعب ولا يفكر إلا في اللَّعوب.. أن يعيش هموم أمته، ويجعل قضية فلسطين، من أهم القضايا المحورية في هذا العصر .
وما أحييتُ هذا الجانب من تاريخ فلسطين المغمور، إلا لكي تحيا القلوب بقضية فلسطين، بإذن الله وتنهض النفوس، للقيام بأي عمل مشروع صغير كان أم كبير ، من أجل حياة شعب محاصر منذ سنوات طويلة.. لعلنا أن نفوز بأمرين اثنين على الأقل :
أولها: رد المعروف ومكافئة المحسن طاعة لربنا عز وجل حيث يقول : ((هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)) [الرحمن: 60] واستجابة لأمر نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال : (من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) [رواه أحمد وأبو داود والنسائي]
ثانيا : أن نفوز برحمة الله عز وجل، كما قال سيدنا ونبينا صلى الله عليه وسلم: ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) [رواه أبو داود والترمذي ]
وتحية إلى الأبطال الجزائريين في سفينة الحرية، وأخرى إلى قافلة الخير التي انطلقت اليوم إلى غزة الأبية، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه..
ملحوظة : في الحلقة الثانية نذكر أسماء الأسر القسنطينية، ومقدار التبرعات التي استفادت منها كل أسرة، كما جاءت في مجلة الشهاب ترقبوها بعد ساعات بحول الله..
كتبه الجريح
يحي بدر الدين صاري
إمام وخطيب مسجد الأبرار
والمشرف العام على موقع منار الجزائر
0 التعليقات:
إرسال تعليق